محاولات خجولة لجمع” اسلام البزنس”و”اسلام الحكم المطلق”في ذهنية واحدة ..جهاد الرنتيسي يكتب لـ”عين نيوز” ويحلل الخطاب الرسمي لحركة حماس

عين نيوز- ثمة ما يوحي بمتاهة جديدة ، يلجها المشهد السياسي العربي ، في ظل الحالة الانفعالية المصاحبةللاعتداءات ، والعوائق ، التي تضعها القوات الاسرائيلية ، امام سفن التضامن الدولية ، التي تتجه الى قطاع غزة ، وتستقر في ميناء اشدود الاسرائيلي .

ففي الوقت الذي تتجه الانظار نحو الانتقادات والاحتجاجات الدولية على عدوانية الممارسة الاسرائيلية المتمثلة في ابقاء الحصار على قطاع غزة ومنع المتضامنين من الوصول الى شواطئه يتم تجاهل قصور الرؤية العربية لتطورات المراحل المقبلة .

يمكن التقاط بعض مظاهر القصور من خلال الخطاب الذي تستخدمه حركة الاسلام السياسي الفلسطيني بشقيها حماس والجهاد الاسلامي .

فهناك ما يوحي بترنح تفكير الحركتين بين ” اسلام البزنس ” و ” اسلام الحكم المطلق ” والمصطلحان للمفكر صادق جلال العظم حيث يعني بالاول تجربة حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب اردوغان في تركيا والثاني التجربة الايرانية التي بدات مع سقوط الشاه ولم تنته بخروج المتظاهرين الى شوارع طهران مدفوعين بشكوك في نتائج الانتخابات الرئاسية التي منحت الرئيس محمود احمدي نجاد فترة رئاسية ثانية .

بين هاتين التجربتين ـ اسلام البزنس واسلام الحكم المطلق ـ  اللتين استقطبتا الشارع العربي  في فترتين  زمنيتين  مختلفتين فروقات تتضمن مقدمات الوصول الى السلطة وبنية النظام السياسي الناشئ ، وخلفياته الاقتصادية والاجتماعية  .

وانعكست هذه الفروقات ، على طبيعة فهم النظامين للعلاقات الاقليمية ، وكيفية التعاطي مع التوازنات الدولية .

فالنظام الاسلامي ، الذي وصل الى السلطة ، من خلال صناديق الاقتراع، في بلد علماني ، يحرص على اتباع سياسة ناعمة ، في التعامل مع محيطه الاقليمي والمجتمع الدولي ، بعكس النظام الذي استولى على السلطة بالقوة واستخدم العنف لاقصاء شركائه في الثورة ، ويعالج ازماته الداخلية بتصديرها للخارج ، وافتعال الحروب ، وتصعيد التوتر في البؤر الملتهبة  .

قد يعود الترنح بين النموذجين الى اعتقاد حركتي الاسلام السياسي الفلسطيني بامكانية جمع نمطي تفكير ” اسلام البزنس ” و ” اسلام الحكم المطلق ” على مخدة واحدة .

فالمؤشرات التي التقطها بعض الباحثين في تفكير الحركتين عن نذر تغيرات طرأت على خطاب قيادتيهما لا تكفي للبناء عليها الى حد الاعتقاد بانتقالهما من طريقة تفكير الى اخرى .

يكمن عدم كفايتها في تضاربها لكنه في المقابل لا يحول دون ما يوحي بمحاولات لتقمص حالتي تفكير مختلفتين في وقت واحد .

فلم يكن جديد ” النبرة ” و ” المصطلحات ” الذي ظهر في خطاب رئيس الحكومة المقالة اسماعيل هنية خافيا على متابعي اللغة السياسية والاعلامية التي تستخدمها قيادة حركة حماس .

بعض جديد النبرة والمصطلحات يتمثل في الاشارة الى ” احرار العالم ” القادمين

على ظهر اسطول الحرية ، والقرار الدولي ” العادل ” المنتظر لانهاء الحصار الذي يتعرض له قطاع غزة .

كما تكرر مصطلح ” احرار العالم ” في مقابلتين اجرتهما محطة بي بي اس الاميركية وجريدة الحياة اللندنية مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل .

وحرص مشعل على الاشارة الى البعد الوطني في هوية حركة حماس ـ الامر الذي عمل قدر المستطاع على تجنبه ارضاء لطهران التي اعتادت على تغليف خطابها  بالشعارات الدينية  وحفاظا على العمق الاستراتيجي لحركته المتمثل بجماعة الاخوان المسلمين ـ  مع حرصه على الاشارة الى المقاربة الفكرية الاسلامية في التفكير  .

بين الاشارات التي تم التقاطها ايضا غياب  التهديد المعتاد ، بتوجيه ضربات قاسية الى اسرائيل ـ ردا على مقتل الاتراك على السفينة مرمرة ـ عن الخطاب السياسي لحركتي حماس والجهاد الاسلامي .

ولم تظهر الحركتان حماسا تجاه العرض ” الاستعراضي ” الايراني بارسال عناصر الحرس الثوري لحماية سفن المساعدات .

لكن هناك على الدوام ما يثير الشكوك حول جدية حركتي حماس والجهاد في الانسحاب من تحت ظلال اسلام الحكم المطلق الايراني للاتكاء على جدار اسلام البزنس التركي .

فقد بقي اعلان خالد مشعل عن استعداده للقبول بدولة على حدود المناطق المحتلة عام 1967 اقرب الى الاحجية مع رفض الاعتراف بالدولة المفترض ان يتم التفاوض معها لانهاء الاحتلال .

هذه المزاوجة شبه المستحيلة لا تبقي خيارات كثيرة لتفسير تصريحات رئيس المكتب السياسي لحركة حماس .

فهناك احتمال بان تكون فكرة القبول بدولة على الاراضي المحتلة عام 1967 غير ناضجة في تفكير قيادة حماس او ان الاعلان الذي جاء على لسان رئيس المكتب السياسي للحركة بالون اختبار لفتح قناة تفاوض مع الجانب الاميركي على حساب قيادة السلطة في رام الله .

ولا يقتصر اللبس في خطاب حركة الاسلام السياسي الاولى في فلسطين على مسالة القبول بدولة على الاراضي المحتلة عام 1967 .

ففي تصريحات ادلى بها خلال وجوده في العاصمة اليمنية عاد الى خطوط اسلام الحكم المطلق بشكله اللادني حيث استخدم فكرة ” الفسطاطين ” بشكل مبطن حين طالب العرب بالاجتماع لرفع الحصار كما اجتمعت قريش لرفعه عن الرسول ص رغم مخالفته لهم في الدين .

وبذلك بقي خطاب الاسلام السياسي الفلسطيني ، رغم مصطلح احرار العالم ، الذي شرع في استخدامه ، مع توجه اسطول الحرية الى قطاع غزة ، دون القدرة على تجاوز فكرة ما يصفه كبير الباحثين في معهد كارنينجي عمرو حمزاوي في احد مقالاته بصراع الاضداد الوجودي رغم مشاركة غير المسلمين في محاولة رفع الحصار عن قطاع غزة .

النائب السابق عن حزب جبهة العمل الاسلامي الاردني حمزة منصور عبر عن قاعدة صراع الاضداد الوجودي بشكل مختلف حين وقف قرب السفارة التركية في عمان ليشبه اردوغان بالسلطان عبدالحميد الثاني ومحمد الفاتح باعتباره واحدا من ابطال الامة الاسلامية .

لكن منصور لم يلتفت خلال لحظته الانفعالية الى نموذج الجمود الذي كانت تمثله الدولة العثمانية وخيرة المثقفين العرب الذين علقوا على اعواد المشانق حين انتفضوا في مواجهة الشوفينية التركية  .

المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين في الاردن همام سعيد اظهر قدرا اكبر من البراغماتية والوعي والوضوح بالتقاطه عصب التفكير التركي واطلاقه الدعوة  الى الاتجاه للبضائع التركية تشجيعا لاردوغان وحزبه على مواصلة الطريق وان فاته الالتفات الى ان الطموحات الاقليمية التركية تتجاوز فكرة البحث عن اسواق جديدة لبضائعها .

وكان بامكان حركات الاسلام السياسي في الدول العربية ان تكون اكثر توازنا في التجاوب مع التطور الايجابي في الموقف التركي الاكثر عقلانية واتزانا واقل كلفة على العرب والمسلمين من تمثل السياسة الايرانية في المنطقة لو بذلت بعض الجهد بحثا عن صورتها في المرآة التركية .

ففي الوقت الذي يخوض نجاد صراعا لتغيير اسم الخليج العربي  لم يتوان اردوغان عن وصف الدول العربية بانها دول قبائل ، وما زال للقوى الطورانية حضورها في المشهد السياسي الداخلي في تركيا  .

والاستفادة من التمدد السياسي التركي  في المعادلات الشرق اوسطية تتطلب فهما عميقا لفلسفة المصالح التي تحكم الايقاع السياسي للقيادة التركية والتفاعل الايجابي مع الواقعية السياسية التركية على ارضية قبول الاخر  ، فالمبالغة في التفاؤل تفضي الى خيبات الامل والقصور  لا تبنى في الهواء .

About the Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You may also like these

No Related Post