يستعد صديق مصري عزيز للاحتفال هذه الايام بالفوز مجددا في رهان قديم صار عمره اكثر من دورتين انتخابيتين رئاسيتين في مصر:
عندما كان الرئيس المصري حسني مبارك غائبا عن الوعي في المانيا بعد خضوعه للجراحة الحرجة قبل شهرين، كان الحديث عن الموت مدويا، وكان الكلام عن الفراغ في السلطة مقلقا، وكان الهمس حول الخلافة مسموعا، وكان التقدير حاسما بأن الطبيعة قررت اخيرا ان تقدم خدمة مهمة لمصلحة التغيير الذي طال انتظاره في مصر، من قبل المصريين جميعا الذين سئموا من تلك المرحلة الانتقالية الممتدة منذ نحو عشر سنوات والمتفاقمة منذ خمس سنوات تحديدا، ويريدون الرسو على بر مع رئيس جديد ووعد مختلف.
كان ذلك الصديق الذي سبق ان ربح رهانين قديمين، حتى في اللحظات الالمانية الحرجة، ثم في ايام النقاهة التي تلتها في شرم الشيخ، يدعو الى الصبر والحكمة في التعامل مع هذه المسألة الحساسة التي سلّمت منذ زمن بعيد للمشيئة الالهية، غير القابلة لأي شكل من اشكال التدخل الخارجي، والتي تحتفظ لنفسها بحق تقرير ذلك الموعد، ومعه الكثير من المواعيد الدستورية التي كانت ولا تزال تشغل مصر منذ مطلع القرن. وحتى عندما بدا للكثيرين ان رحلة العلاج الرئاسية هي الاخيرة، نصيحته كانت ولا تزال هي عدم التسرع في قياس الاعمار والاقدار المصرية، وعدم القفز الى البحث في الخلفاء المحتملين… لأنه طالما لم تعلن الوفاة بعد، فان مبارك سيكون المرشح الوحيد للرئاسة العام المقبل، وسيظل رئيسا لولاية سادسة، وكل ما عداه باطل.
لا شأن للحسابات الفلكية في هذا التقدير الذي ثبت بالامس انه دقيق جدا، بل اكثر دقة من كل ما جرى تداوله على مدى الاشهر الثلاثة الماضية، من اسماء وألوان وجبهات وتعديلات: عاد مبارك الى القاهرة قبل ثلاثة ايام، بعد غياب مرضي طويل ما بين المانيا وشرم الشيخ، بدا بصحة جيدة اكثر من اي وقت مضى في السنوات القليلة الماضية، وظهر بمعنويات عالية اكثر من أي من خلفائه او خصومه المحتملين، وعبّر عن حزم ظن كثيرون من المصريين انه تلاشى مع العمر والمرض والتحدي المتصاعد الذي ينتشر في الشارع بشكل لم تعهده مصر لا في تاريخها الحديث او القديم.
اما عندما قال مبارك في خطابه المؤجل من عيد العمال في مدينة نصر يوم الخميس: «إنني كواحد من أبناء مصر أجد نفسي اليوم وأكثر من أي وقت مضى أقوى عزماً وأشد تصميماً على ألا ترتد حركة مجتمعنا للوراء»… فانه انهى الثرثرة حوله، وحول نائبه المزعوم، وحول الدستور الذي يحتاج الى تعديل، وحول الانتخابات التي يحلم بها المعارضون، وحول النفوس المضطربة التي سارت في الجنازة قبل الاوان، وافترضت ان التغيير يمكن ان يأتي من السماء.
كان مبارك بالامس في ذروة التحدي للموت، والحياة ايضا، وفي بداية الاستعداد لتجديد الولاية… وكان الصديق المصري يضحك حينا ويبكي حينا آخر، لأن مصر لا تستحق هذا الكم من سخرية القدر.