تسونامي اليابان يهدد بأزمة عالمية في مجال الطاقة
عين نيوز – رصد/
يواجه الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن كمًّا هائلاً من التحديات على اختلاف أنواعها. غير أن أهم ثلاثة تحديات هي زيادة

الموارد المالية أو الديون، والقنبلة الديموغرافية الزمنية للسكان من كبار السن، وتأمين الطاقة. فهذه التحديات الثلاثة بدرجة أو بأخرى هي تحديات تواجه اقتصاديات الدول المتقدمة بصفة عامة. وبالنسبة لليابان وهي تحاول أن تتغلب على أثار ما بعد زلزال
سينداي وموجات تسونامي العاتية، فإنها لا سبيل أمامها سوى الأخذ بأشد أساليب العلاج صرامة لمواجهة هذه التحديات الثلاثة. وفي هذا الصدد طرح الخبير الاقتصادي جيريمي وارنر في صحيفة “ديلي تليغراف” البريطانية وجهة نظر متفائلة على المدى البعيد للاقتصاد الياباني. وعلى الرغم من إنه طرح وجهة النظر هذه قبل كارثة المفاعلات النووية التي جعلت من الموقف الاقتصادي الياباني أكثر سوءًا فإنه لا يزال على موقفه المتفائل بالنسبة للاقتصاد الياباني على المدى البعيد.
لكنه عاد ليؤكد على أن تدهور الأوضاع في المفاعلات النووية في فوكوشيما قد أضاف بعدًا جديدًا أكثر إزعاجًا إلى اقتصاديات الأزمة ويضيف كذلك المزيد من التعقيدات الهامة والخطيرة بالنسبة للتحدي الثالث المتمثل في مستقبل تأمين وتوفير الطاقة ليس فقط في اليابان وحدها وإنما أيضًا في كافة الدول المتقدمة بل وحتى في الدول التي ينمو اقتصادها على نحو سريع.
وفي هذا السياق يشير وارنر إلى فشل ألمانيا في اتخاذ قرار بقرار بإغلاق سبعة من مفاعلاتها النووية القديمة وتأجيل قرارها الرسمي بشأن بناء مفاعلات جديدة. وهو هنا يقدم مثالاً صارخًا يؤكد به على أن الحدث المحلي نسبيًا يمكن أن يؤثر بشكل أو بآخر على مناطق بعيدة عنه جدًا.
كما يشير هنا أيضًا إلى حادث انصهار مفاعل “تري مايل أيلاند” في ولاية بنسلفانيا في الساحل الشرق للولايات المتحدة، ويقول إنه وعلى الرغم من مرور ما يزيد عن ثلاثة عقود على الحادث، إلا أن جماعات الضغط النووية لم تنجح إلا من وقت قريب في استعادة الثقة مرة أخرى في أمان هذه الصناعة على نحو يسمح ببناء المزيد من المفاعلات النووية بصورة مقبولة في الاقتصاد العالمي.
وفي ظل الظروف الحالية التي تشهدها اليابان والمتمثلة في بناء مفاعلات نووية فوق أراضٍ غير سليمة من الناحية الجيولوجية، وفي ظل الحاجة الماسة إلى بدائل للطاقة الهيدروكربونية، فإن كافة المؤشرات تؤكد على المجتمعات الديمقراطية ستمر بمرحلة شاقة وعسيرة من أجل الحصول على قبول عام لإنشاء مفاعلات نووية جديدة.
ويعتقد وارنر أن وزير الطاقة البريطاني كريس هون سيفكر كثيرًا بشأن الاحتمالات المنظورة وغير المنظورة وذلك في ظلّ التوقعات بأن بناء مفاعلات نووية جديدة سيلقى المزيد من المعارضة السياسية. لاسيما وأن الرأي العام بات ينظر إلى مولدات الطاقة النووية بشيء من الخوف ويعتقد بأنها غير مأمونة الجانب، مع الأخذ في الاعتبار أن السياسيين لم يعد أمامهم سوى فعل ما يمليه عليهم الناخبون.
وعلى الرغم من إن الليبراليين الديمقراطيين في بريطانيا دائمًا ما يعترضون على بناء المفاعلات النووية، فإن الذي لا شك فيه هو أن فشل وزير الطاقة البريطاني في دفع مسيرة تجديد مصادر الطاقة النووية من شأنه أن يخلق العديد من المشكلات الضخمة في مجال سياسات الطاقة النووية ليس في بريطانيا وحدها وإنما أيضًا في دول أخرى من العالم.
وعلى مدى السنوات العشر المقبلة فإن الكثير من مصادر الطاقة في بريطانيا سيتوقف نشاطها، مما سيترك فراغًا وفجوة في مجال الطاقة ولن يكون باستطاعة مصادر الطاقة المتجددة أن تملأ هذا الفراغ.
وفي ظل هذا الوضع فإن بريطانيا ستصبح أكثر اعتمادًا على الواردات من المواد الهيدروكربونية من مناطق لا تتمتع بقدر عالي من الاستقرار بل وربما من مناطق معادية.
وبدرجة أو أخرى فإن اقتصاديات العالم ستعاني من هذه المشكلة بصرف النظر عن التحديات البيئية الخاصة التي تحتم خفض نسب انبعاثات الكربون. إن الاقتصاد العالمي الذي لا يزال يكافح من أجل استعادة قوته بعد الأزمة المالية، يواجه الآن مجموعة السلبيات الضارة والخطيرة النابعة من مشكلات الطاقة.
أضف إلى ذلك الوضع المعقد في الشرق الأوسط الذي يهدد إمدادات النفط ويرفع من أسعار الطاقة، الأمر الذي يجعل الموقف الاقتصادي في حالة من عدم الاستقرار المحفوف بالمخاطر. ولا ينبغي أن يغيب عن بالنا أيضًا الوضع المتذبذب الذي تعيشه أسواق المال والبورصات.
ومن المرجح أن تمتد آثار كارثة اليابان إلى أبعد من حدودها لتزيد من تعقيدات الأوضاع الاقتصادية في العالم.
وفي ظل هذا الوضع لا بد وأن تقوم حكومات العالم بمواجهة الأوضاع النووية بهدوء ولا ينبغي أن تتحول الكارثة اليابانية إلى أزمة طاقة عالمية