أنا زوجك اطيعيني

محمد محفوظ

كان هناك تشابه الی حد كبير في الزمان الغابر بين حياة المجتمعات الشرقية والغربية٬ خاصة فيما يتعلق بالقيود التي كانت مفروضة علی المرأة.

فالصليبيون الذين جاؤا الی بلداننا في القرن الحادي عشر الميلادي كانوا يُلبسون نساءهم اللواتي تركوهن في بلدانهم سراويل من الزرد عليها اقفال تسلم مفاتيحها لامرأة موثوقة من اهل الدار كي تفتح الاقفال عند قضاء حاجة طبيعية ضرورية ثم اغلاقها. فاذا عاد الرجال من حروبهم التي سلبوا فيها اموال المسلمين وسبوا فيها منكودات الحظ من النساء٬ استرجعوا من قريباتهم مفاتيح الاقفال وعادت نساؤهم تحت سيطرتهم.

في ذلك الوقت كانت العفة لدی الاوروبيين والشرقيين علی السواء جواز السفر الی جنة الزواج فلا تدخلها فتاة فقدت عذريتها ولا يطول فيها مقام امرأة لم تصن فرجها وتغض طرفها. فكانت المارقة علی قوانين المجتمع تقتل او تودع في غياهب الاديرة ما تبقی لها من الحياة.

الانوثة وضعت المرأة في وضع حرج وجعلتها مرغمة علی الاعتماد علی رجل. إما علی ابيها او اخيها او زوجها او ابنها. ففي فترة الانجاب وتربية الاطفال لم يكن باستطاعتها ان تخرج للعمل فكان لا غنی لها عن معين يعيلها هي واولادها ولابد من قبول شروط هذا المعين كي يقبل بتحمل المسؤولية الثقيلة.

لقاء تحمل الرجل هذه المسؤولية كانت المرأة الاوروبية تتنازل لبعلها عند زواجها منه عن كل ما تملك او ترث. فاذا ظل راضيا عليها عاشا حياة هانئة٬ واذا غضب جردها من اموالها واودعها احدی مستشفيات الامراض العقلية.

هذا الوضع جعل المرأة الاوروبية حاقدة سرا او علنا علی الرجل الذي كان يستعبدها فثارت عليه وانتزعت منه السيادة علی نفسها فرد عليها الرجل بالهجر اذ لم يعد ينفع الزجر. ونشأ بين الجانبين تباعد وتناء ادی الی ظهور الميوعة بين بعض الذكور والخشونة بين بعض الاناث وترتب علی ذلك انتشار اللواط والسحاق والبرودة الجنسية.

بالرغم من ان المرأة الاوروبية حصلت علی امتيازات “لم تكن تخطر ببال جدتها حواء” بعدما استرجلت وانتزعت المساواة مع الرجال في الحقوق وان لم يكن في الكثير من الواجبات ظل بعض الرجال يرفضون التنازل عن هيمنتهم علی النساء٬ كما حدث في قضية السيد “موت” احد سكان قرية “روث” بشمال انجلترا خلال الاسبوعين الماضيين.

كان السيد موت حارسا ليليا في احدی الحانات وظيفته ان يطرد أي شخص يسكر ويعربد فدخل السجن من جراء تجاوزه في اداء وظيفته الحد المسموح به. وعندما خرج منه في الاسبوع الماضي فوجئ بان زوجته كانت تعاشر في غيابه احد رجال الشرطة. فاعدمها وقتل ابنته الصغيرة البريئة كما قتل عشيقها٬ ثم خرج من بيته واخذ يطلق الرصاص عشوائيا علی الناس وينذر بانه سيقتل كل من يجده يرتدي بذلة البوليس.

بالفعل اغتال السيد موت عددا من رجال الشرطة فجندت قائدة الشرطة المحلية كل مرؤوسيها وسلمتهم الاسلحة النارية فخرجوا الی الغابات يبحثون عن المستر “موت”. وعندما تعذر العثورعليه استنجدت بالقوات المسلحة فانجدتها بثلة من المظليين وارسلت طائرة هليكوبتر مزودة بأجهزة الكشف الحراري وارسلت ايضا طائرة حربية مجهزة باحدث واقوی انواع تلك الاجهزة.

انطلق الجميع الی الغابات ليبحثوا عن عدو الشرطة والمرأة فحرثوها من اولها الی اخرها لكنهم لم يجدوا ذلك العدو. فقد كان طيلة الوقت في قرية “روث” ولم يغادرها الی الغابات ولم يهرب الی بلد اخر فضاعت جهود قوات الشرطة المؤازرة التابعة لاربعة عشر مقاطعة في المرابطة علی الطرق٬ ادراج الرياح.

أخيرا شوهد المستر “موت” راقداً في ظل شجرة باسقة في احدی بساتين قرية روث فحوصر وانذر “استسلم تسلم” لكنه ابی واستكبر ثم انتحر بمسدسه قائلا “بيدي لا بيدكم الامر”. ومع ذلك اطلق رجال الشرطة وابلاً من الرصاص علی جثته.

بعد هذه الخاتمة انطلق الصحفيون للاستفهام من علماء النفس البشرية عما يدفع رجلا مثل المستر موت الی الموت٬ لماذا قتل زوجته وابنته؟ ولماذا قتل كل من اعترض طريقه وقتل نفسه في النهاية؟

هذه الاسئلة لم تنل اجوبة وافية بعد. ولكن من الواضح ان المستر موت لم يرتكب تلك الجرائم الا بدافع من الشعور بان رجولته قد اهينت وكرامته قد اذلت. فانطلق ساعيا لاسترداد عزة نفسه مهما كلف الثمن فكلفته حياته.

قد يجد الغربيون في قضية المستر موت وجها للمقارنة مع الشرقيين الذين يريقون دماء نسائهم بها لغسل ما قد يصيبهم من العار من خيانتهن. فهل الرجل مسؤول عن عفة زوجته ام هي نفسها المسؤولة؟

قبل عقدين من الزمن جاء رجل عربي كان يعمل لوحده في بلد عربي بينما انتقلت زوجته واطفاله الی لندن حيث حصلت علی وظيفة سكرتيرة وعلی مسكن ومعاشات من الحكومة لاطفالها الصغار.

جاء الرجل ليطلب من زوجته واولاده جمع شمل الاسرة فابت وقالت انها مبسوطة ومرتاحة للحياة الحرة الاباحية في لندن. دار نقاش طويل: تعالي لا مش جايه. اقول لك تعالي احسن لك. لا أنا ما اتحرك من هنا.

انا زوجك اطيعيني. لن اطيعك انا حرة بنفسي.

عندئذ جرد الرجل سكينا وطعنها به امام اولاده الصغار الذين “ماتوا” رعبا. ومن صرخاتهم استدعی الجيران رجال الشرطة فأقتيد الرجل الی السجن المؤبد واخذت المرأة للتشريح ثم الدفن.

هذا التجبر من الرجل والتمرد من المرأة أديا الی انهيار الاسرة كليا. فقد سلمت سلطات الشؤون الاجتماعية الاطفال العرب الی عائلات بريطانية ابدت استعدادها لتبنيهم فضاعوا في المجتمع البريطاني

أخبار قد تعجبك