ربما هي المرة الأولى التي تعيش فيها “اسرائيل” حالة عزلة وضيق كبيرين في الوسطين الاقليمي والدولي،جراء ما ارتكبته في حق “اسطول الحرية” .ومن الضروري والحال هذه متابعة القضية من منطلقات قانونية بهدف اجبارها الالتزام بما كفلته القوانين والشرائع الدولية من تقديم التعويضات المناسبة للضحايا .الامر الذي يتطلب التدقيق أولا بالبيئة القانونية التي انتهكتها وبالتالي تحديد الأطر القانونية لملاحقتها .
ثمة العديد من المداخل التي يمكن الانطلاق منها، ومن بينها الاتفاقيات الدولية المبرمة الخاصة بجرائم القرصنة في أعالي البحار، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالقانون الدولي الانساني،والقانون الدولي لحقوق الانسان،علاوة على الاطر القانونية لمرتكزات القانون الدولي الجنائي .
في المبدأ، لا خلاف أولاً بأن الجريمة وقعت في منطقة تصنف أعالي البحار، وهي بطبيعة الأمر خارج النطاق الاقليمي لسواحل فلسطين المحتلة . وثانيا لم تكن أي من البواخر المشاركة في محاولة كسر الحصار عن غزة تحمل أي معدات عسكرية أو شبه عسكرية تشكل خطراً حقيقياً على أحد، بل جل ما احتوته كان بمثابة مؤن ومواد غذائية تغطيها عملياً قواعد القانون الدولي الإنساني بل توجب فعل ذلك . ففي واقع الأمر تقع جريمة أسطول الحرية ضمن نطاق القرصنة البحرية وتعتبر عملاً ارهابياً موصوفاً قانوناً ومن بينها على سبيل المثال، يعتبر عملاً إرهابياً كل من يستولي على طائرة أثناء تحليقها في الجو أو سفينة أو رصيف ثابت، عن طريق العنف أو التهديد بالعنف، أو أية صورة أخرى من صور الترويع ، وهو ما أقرته الاتفاقية الدولية تاريخ 12/3/1999 المتعلقة باحتجاز السفن . كما حددت اتفاقية جنيف لأعالي البحار المبرمة في 29/4/،1958 والتي تعد أول اتفاقية دولية بشأن القرصنة البحرية، إلى تحديد الأفعال التي تشكل جريمة قرصنة، إذ نصت المادة (15) من الاتفاقية على أنه يعد من قبيل أعمال القرصنة الأفعال التالية: أي عمل غير قانوني ينطوي على العنف أو الحجز أو القبض أو السلب يُرتكب لأغراض خاصة، بواسطة طاقم أو ركاب سفينة خاصة أو طائرة خاصة ويكون موجهاً ضد سفينة أو طائرة أخرى في أعالي البحار (خارج المياه الإقليمية) أو ضد أشخاص أو ممتلكات على متن تلك السفينة أو الطائرة . وكذلك ضد سفينة أو طائرة أو أشخاص أو ممتلكات في مكان خارج المياه الإقليمية لأية دولة .
أما المادة (101) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة ،1982 فتعتبر جرائم القرصنة البحرية من قبيل الجرائم الدولية التي تخضع للقضاء الدولي، كما أقرت المادة (105) من الاتفاقية نفسها حق الملاحقة والقبض والاعتقال ومحاكمة وتوقيع العقوبة على مرتكب جرائم القرصنة البحرية . كما نصت على ذلك معاهدة 1988 الخاصة بالأعمال غير المشروعة التي يتم اقترافها في البحار، وفي مقدمتها جريمة القرصنة البحرية .
أولا تعتبر جريمة القرصنة من الجرائم ذات الأثر العالمي والدولي في تداعياتها وآثارها، إذ تمس أمن وسلامة الملاحة البحرية والجوية في مناطق تخرج عن الاختصاص الإقليمي للدول، لذا فإن ارتكاب تلك الجريمة يُعد عملاً موجهًا ضد كيان الجماعة الدولية بأسرها، وقد استقر العرف الدولي إلى إنه في حالة وجود أسباب جدية تبرر الشك في أن إحدى السفن قد تكون سفينة قرصنة فيجوز لأي سفينة حربية حق زيارة السفينة المشكوك في كينونتها للتحقق من صفتها، ولا يجوز لسفينة القرصنة الاحتماء وراء العلم .الذي تحمله لأن ثبوت قيام السفينة بأعمال القرصنة يجردها وطاقمها من حق الاحتماء بجنسية الدولة التي تحمل علمها، وينعقد الاختصاص لكل دولة وكل سفينة حربية بالقبض على القراصنة ومحاكمتهم .
وقد جاءت المادة (106) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لتنظيم القاعدة العرفية السابقة، فنصت على أنه في حالة ضبط سفينة أو طائرة بشبهة قرصنة من دون مبررات كافية فتتحمل الدولة التي قامت بعملية الزيارة والضبط مسؤولية أية خسائر أو أضرار مادية أو أدبية تترتب على تلك الزيارة .وقد أعطت المادة (104) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لدولة العلم الحق في الاحتفاظ بجنسية سفينة أو طائرة القرصنة أو تجريدها من هذه الجنسية .
وقد اختصت المادة (107) من الاتفاقية سالفة الذكر السفن الحربية أو الطائرات العسكرية أو غيرها من السفن أو الطائرات التي تحمل علامات واضحة تدل على أنها في خدمة حكومية ومأذون لها بذلك . وقد ذهب جانب من الفقه إلى حق السفن التجارية الخاصة في التصدي ومعاقبة القرصان من قبيل استعمال حق الدفاع عن النفس .
كما أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار حين عقدت الاختصاص القضائي عن جريمة القرصنة لأية دولة وإخضاعها في الضبط والمحاكمة والعقاب للقوانين الوطنية، فإنها لم تتعامل مع تلك الجريمة بصفتها الدولية وإنما بصفتها العالمية، ولما تمثله من خطر يهدد سلامة وأمن وحرية الملاحة والتجارة الدولية، وبالتالي أمن وسلامة المجتمع الدولي ككل .
وعليه تقر الاتفاقية السالفة الذكر الحق لأي دولة تم فعل القرصنة البحرية على احدى السفن التي تحمل علمها مقاضاتها عبر محاكمها الوطنية وتحميلها المسؤولية عما تسببته من اعمال قرصنة، وأن لم تخضع للاحكام، فعندها يمكن اللجوء الى المحافل الدولية لاجبارها على الالتزام بما قررته محاكمها، هنا بصرف النظر بالطبع عن السياسات الدولية المتبعة لمثل وقائع جريمة أسطول الحرية .