غوبلز أوّل مَنْ كشف لهتلر خطط اليهود في التغلغل وتحقيق السيادة والنفوذ بين الشعوب

عندما تسلم الملك غازي الحكم بعد وفاة والده فيصل، كان ادولف هتلر قد تسنم منصب الزعامة المطلقة لألمانيا واصبح من كرسي (المستشارية) أي رئاسة الحكومة قاب قوسين او ادني.. وكنت قد اقنعت الملك غازي في ذلك الوقت بلزوم التعاون مع ألمانيا الجديدة لتزويد الجيش العراقي الباسل بالاسلحة واستكمال اسباب نقصه من مختلف الاشياء التي كان بأمس الحاجة إليها.

وعلي الاخص بعد الانتصار علي (التيارية) الآثوريين.. وبعد ان تسلم هتلر مقاليد الحكم من المريشال هند تبورغ بفضل مساعي الهر فون بابن الذي كان آخر مستشارا ألماني للجمهورية الثالثة، في 31 كانون الثاني 1933م، أوفدني الملك غازي إلي برلين لتقديم التهاني بأسم الشعب العراقي واسمه وطلب إلي تبادل التمثيل الديبلوماسي مع اشارة التوصية بتعيين الدكتور فرينس غروبا لمنصب ممثل ألمانيا ببغداد باعتباره من اصدقاء العراقيين القدامي..).

اصدار جريدة العقاب ببغداد !

وما ان عدت من ألمانيا في مطلع شهر شباط 1933 م، حتي استقر قرارنا علي اصدار جريدتي (العقاب) جريدة يومية سياسية مسائية جامعة بالاتفاق مع القادة الشهداء صلاح الدين الصباغ ومحمود سلمان وفهمي سعيد ويونس السبعاوي والساسة مزاحم

الباجه جي وجميل المدفعي وجمال بابان، وكان الساسة الاخيران يتوليان الصرف عليها فيلا السنة الاولي من اموالهما الخاصة ( خلافا لما يزعم اعداء العروبة والاسلام من ان المانيا الهتلرية كانت تصرف علي الجريدة.. وتغدق الاموال الطائلة علي من يتماشي سياستها المعادية للاستعمار الغربي..؟) وفي العاشر من شباط 1933 م صدر اول عدد من جريدة العقاب..

وفي الواقع فأن اختياري اسم العقاب لجريدتي ببغداد، كان تيمنا باسم راية العقاب التي عقد لواءها سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم لاول مرة سير فيها جيشا لمقاتلة الكفار. ثم انها تحمل اسما له معينين اثنين) العقاب (بضم العين) والعقاب (بكسرها) !!.

العراق والالعاب الاولمبية

وعندما قامت ألمانيا الهتلرية الالعاب الاولمبية ببرلين في مطلع شهر تموز 1936م، اوفدني الشهيد ياسين الهاشمي رئيس الوزراء علي رأس وفد صحفي للمساهمة في تغطية اخبار الدورة الاولمبية، وكان العراق الدولة العربية الوحيدة التي اشتركت صحفيا في تلك الدورة، وكنت اراسل جريدتي الاهرام والبلاغ ومجلة السياسة الاسبوعية (القاهريات) وجريدة ألف باء الدمشقية وجريدة النهار البيروتية.

ودعا الدكتور غروبا وزير المانيا المفوض في بغداد جمهرة من رجالات العراق، بأسم حكومته ومنهم السادة الشيخ عجيل الياور رئيس عشائر شمر وتوفيق السويدي ورؤوف الكبيسي والشيخ مطلك السلمان والشيخ عبد الواحد الحاج سكر رئيس عشائر آل فتلة، والشيخ شاهر السلمان رئيس عشائر الجبور والحاج صالح الملي والسيد علي السيد عواد، والعقيد ابراهيم البكري والعقيد محمود فاضل الجنابي والرئيس الطيار محمود هندي، وقد توليت بنفسي الترجمة والمرافقة لهذه الشخصيات العراقية.

هنا برلين.. حي العرب!

في هذه العبارة المدوية افتتحت الإذاعة العربية من محطة الإذاعة الألمانية في برلين، في الساعة السابعة من مساء يوم 7 نيسان 1939 أي بعد ثلاثة أيام من مغادرة بغداد في ليلة 4 نيسان 1939، الليلة التي صرع فيها الملك الخالد غازي الأول عاهل العراق العظيم بحادث سيارة. قيل أنها اصطدمت بعمود كهربائي في حديقة قصر الزهور الملكي في بغداد.

لقد كانت الإذاعة العربية التي أشرفت علي تأسيسها وتوليت الإذاعة فيها بفردي بادئ ذي بدء اول اذاعة اجنبية في محطة الإذاعة الألمانية ببرلين وكان الفوهرر هتلر يحاول في ذلك الحين بعد أن حقق “الانشلوس” وضم النمسا إلي ألمانيا الكبري “غروس دوتشلاند” إسكات الدعاية البريطانية الفرنسية التي تفاقمت ضده وضد الحزب النازي في العالم عامة وفي البلاد العربية خاصة، حيث قامت اليهودية العالمية وعلي رأسها اصحاب رؤوس الأموال اليهودية الكبري التي بلندن. وفي “وول ستريت” بنيويورك، ومورغنتاو والبارون روتشيلد في فرنسا وفي بريطانيا – تحث الحكومتين البريطانية والفرنسية لتشويه سمعة هتلر والحزب النازي بغية الخلاص من حكمه ليعود اليهود إلي ألمانيا كي يستلأنفوا سيطرتهم السابقة عليها قبل ان يقوم هتلر بتجريد اليهود من أملاكهم وطردهم إلي خارج ألمانيا..

إن أول من شرح للزعيم هتلر حقيقة اليهود وتاريخه او كيفية تغلغلهم بيت الشعوب التي يعيشون معها والطرق التي يستخدمونها للوصول إلي الثروة فالسيادة علي الشعوب، هما رجلان اثنان من رجال الحزب النازي الأوائل: الدكتور غوبلز وزير دعاية الرايخ ويد هتلر اليسري (الاعتبار ان هيس كان يده اليمني) ولسانه الذرب الفصيح المدوي.

والدكتور غوبلز كان الرجل الثالث في قائمة تسلسل الحزب النازي من حيث الأهمية والمكانة الرفيعة، ولقد كان بالإضافة إلي منصبه كوزير للدعاية المرشد والموجه والواعظ للشعب الألماني والعالم الخارجي.

أما الرجل الثاني فقد كان الدكتور الفريد روزنبرغ فيلسوف الحزب النازي وشارح قوانينه، وواضع التعديلات المستمرة بنظمه، بالنسبة للتطورات والاحداث التي تقع في المانيا.

وكان الرجل الرابع في قائمة التسلسل في الحزب النازي وكنت اسميه “ايميناس غريز” الحزب النازي أو”ريشيليو” الحزب.

تخرج الدكتور غوبلز في جامعة كولون بالمانيا علي يد الاساتذة اليهود ونال شهادة الدكتوراه في العلوم اللاهوتية وتخصص في علم الاديان المنزلة الثلاثة وهي اليهودية والمسيحية والاسلام. ولما كان تخصصه هذا يفرض عليه بطبيعة الحال دراسة البيئات التي نشأت فيها هذه الاديان بعد التنزيل علي سيدنا موسي وسيدنا عيسي وسيدنا محمد في فلسطين وفي الجزيرة العربية، فلقد ألم الدكتور غوبلز الماماً تاماً بالتاريخ القديم ساعده هذا علي معرفة الشيء الكثير من احوال اليهود وخفايا طباعهم ما طهر منها وما بطن، وكذلك معرفة أحوال العرب وعلاقاتهم التاريخية بالعالم قديماً وحديثاً.

المهمة الشاقة

أما الدكتور روزنبرغ فلقد كان ضابطاً برتبة كابتن بالجيش الروسي القيصري في اوكرانيا الحافلة باليهود ابان الحرب العالمية الاولي، وقد عايشهم خلال خمس سنوات فامتزج بهم أمتزاجاً سهل عليه الوقوف علي كثير من أسرارهم وتصرفاتهم الامر الذي ساعده أثر التحاقه بالزعيم هتلر سنة 1924 لانضمامه للحزب النازي علي شرح أسرار اليهود وعرض غدرهم وتحطيمهم للقوي الوطنية والاخلاقية والاجتماعية في كل البلاد التي يستوطنون فيها بدون تمييز بين العنصر واللون والدين. من اجل ذلك قام هتلر في اول يوم من عرض نظامه “النازي” الاشتراكي الوطني للحملة علي يهود المانيا واليهودية العالمية واستمر في الحملة إلي أن ظفر بحكم المانيا في يوم 30 كانون الثاني 1933.

لقد كانت مهمتي عسيرة شاقة للغاية وانا أشرع بالعمل في أذاعة برلين. فلم تك المانيا بعد قد احرزت تلك الانتصارات “الصاعقية” في مختلف الميادين بالصورة التي دوخت العالم واذهلت الدول ما كبر منها وما صغر.

حين غادرت بغداد والعراق إلي برلين إلي حيث لا رجعة كما كنت اظن يومذاك، في تلك الليلة العبوس القمطرير ليلة مصرع الملك غازي صباح يوم 4 نيسان 1939 كنت واثقاً من أن الحرب ستقع لقد أخترت قلب المحور برلين في التعاون مع المانيا في سبيل خدمة قضايا العرب والعمل علي تحرير العالم العربي من ربقة العبودية والذل، فلم يك يهمني تقدير الموقف بقدر ما يهمني العمل والاذاعة لاسمع صوت العرب الاحرار من علي منبر اقوي أذاعة في العالم الا وهي الاذاعة الالمانية من برلين

وبالفعل فإن أذاعة برلين قد ساعدتني عليعرض القضايا العربية بمختلف أشكالها واوضاعها علي الراي العام العربي والعالمي ليتفتح الضمير الانساني لتوارث العرب ومصائب الاستعمار التي حلت بهم من المغرب العربي إلي المشرق العربي.

وكان التجاوب المستحب الذي استقبل به العرب الاذاعة العربية من برلين منذ أول نشأتها مشجعاً لي علي المضي بمهمتي الشاقة فرحت استنبط الوسائل المختلفة لجعل الاذاعة العربية من برلين منبر أرشاد وتوجيه، وعاملاً رئيسياً فعالاً لشحذ همم العرب وحملهم علي التضحية بكل مرتخص وغالٍ لتحرير بلادهم والاستماتة في كفاح المستعمر وخاصة في فلسطين من يهود وبريطانيين وفي سوريا ولبنان والمغرب العربي ولم تنجُ مني ايطاليا فلقد كتبت أدس عليها في أذاعاتي مذكراً للعرب بعمر المختار بطل الجهاد الليبي العربي وما يقاسيه رفاق المجاهد الليبي الاول أدريس السنوني، من الآلام البعد عن الوطن في مختلف مهاجرهم العربية.

الصفقة الخاسرة

اجتمعت بفخامة السيد نوري السعيد رئيس الوزارة العراقية في باريس سنة 1947، لأول مرة بعد الحرب في محطة الإنفاليد الجوية وكان الأستاذ باهر فائق مدير الشعبة الاقتصادية بوزارة الخارجية العراقية اليوم حاضراً، وراح السيد نوري السعيد يلومني ويعاتبني لاستمراري في نقد سياسته إبان الحرب وقبلها من إذاعة بلرين، ثم قال وهو يتهكم ضاحكاً وبيده مسبحته التقليدية: أرأيت كيف كانت نهاية أصاحبك الألمان؟ وكيف اخترت يا يونس الصفحة الخاسرة!

لم أجب “الباشا” علي هذا التهكم. فلقد سمعت الكثيرين من الناس يوجهون لي هذا الكلام دون أن ابالي. لكنني اخترت الصفحة الخاسرة “ألمانيا” قبل اندلاع نيران الحرب العالمية الثانية بسبعة أشهر. وما كنت إلا كصديق أختار الصديق الذي يعجبه دون حساب الربح والخسارة، لا لشيء إلا لكرهي القديم لليهودية والاستعمار. فهل من المعقول كسب الأصدقاء بواسطة معرفة أو تقدير نتائج هذه الصداقة هل هي خير أم شر؟

كانت الحرب الباردة التي أثارها هتلر في أوربا بعد الاستفتاء التاريخي الذي قام به في ألمانيا وفوزه فوزاً إجماعياً تأكيد مواطنيه، إثر ضم السار إلي المانيا الوطن الأم وإلغاء معاهدة الحلفاء السبب المباشر في إثارة حرب جديدة بين الحلفاء وألمانيا الهتلرية.

فلقد راحت الإذاعات العربية التي أقامتها لندن وباريس تشن حرباً لا هوادة فيها ولا لين ضد هتلر وكتابه “كفاحي” وضد الحزب النازي وضد الدكتور غوبلز وزير الدعاية الالمانية الذي صار متفوقاً في دعايته المنظمة القوية.. ولكن هذا التفوق وهذه القوة كانت محصورة في النطاق الاوربي..

وكان لزاماً علي الدعاية الالمانية ان تجد رجلاً عربياً يستطيع الاضطلاع بمهمة الرد علي الاذاعات المهاجمة باللغة العربية من لندن وباريس وغيرهما..

ولم يكن هذا الرجل سواي أنا – ولا فخر- ولقد تبين لي فيما بعد أنني كنت محط أنظار السفراء الالمان في البلاد العربية يسترقون السمع! منذ مطلع عام 1938 لمعرفة اشهر المذيعين العرب لمفاوضتهم للتعاقد معهم للعمل في محطة الاذاعة الالمانية!

أخبار قد تعجبك