كتب : طارق ديلواني
لا يتسق الخطاب الرسمي الداعم للحريات مع ممارسات على الارض توحي بان ثمة سقف متدني جدا من الحريات المتاحة للاردنيين من اهمها قمع التظاهر السلمي الحضاري.فمنع المتظاهرين من الاحتجاج امام سفارة ” اسرائيل” في الرابية وقمع بعضهم بقوة مفرطة لا زال امرا غير مفهوم الدوافع والاسباب اردنيا.
لم ينجح المتظاهرون الاردنيون منذ عام 98 في الوصول الى مقر السفارة الاسرائيلية بل ان خط اقترابهم منها لم يتعد مسافة والسبب الاجراءات الامنية المكثفة المحيطة بالمكان والتي تتعاطى مع اي تظاهرة احتجاج على نحو مفرط من الحساسية الامنية مبالغ فيها تماما.
المتظاهر الاردني عموما يتصف بالوعي والادراك رغم وجود قلة قليلة من ممارسي التخريب والشغب والفوضى، الا ان الظاهرة الاكثر التصاقا بتوجه الاردنيين الى السفارة الاسرائيلية كلما انتجت الة الحب الاسرائيلية جريمة جديدة، هو غياب الوفاق والتنسيق بين مكونات التيارات المعارضة خاصة بين الاسلاميين واليساريين.
فلطالما دخل الطرفان في صراع على احقية قيادة هذه التظاهرات والاعتصامات وتحولت مسألة التضامن والاحتجاج الى خلافات حادة وحسابات حزبية ضيقة ظلت معها سفارة العدو بمناى عن اي صخب يقلق هدوءها وسكينتها .
المنظمة المعنية بحقوق الإنسان “هيومن رايتس ووتش” انتقدت غير مرة منع التظاهرات قرب السفارة الإسرائيلية في منطقة الرابية بعمان ، وقالت، في تقرير حول “أزمة غزة ، إن “الأردن يمنع بشكل منتظم الموافقة على المظاهرات التي تنتقد السياسة الخارجية الأردنية”.
وأشارت إلى أنه في “التاسع من شهر كانون الثاني (يناير) تجمع المتظاهرون قبالة السفارة الإسرائيلية بعمان، حيث وصلت شرطة مكافحة الشغب وضربت المتظاهرين، ومنهم رئيس مكتب قناة الجزيرة الفضائية بعمان ياسر أبو هلالة”.
وأضافت المنظمة “أن شهود عيان أكدوا على أن الادعاء العام لم يستقبل أقوال المتظاهرين الآخرين الذين ضربتهم الشرطة بالهراوات أثناء المظاهرة”.
وكان معتصمون أقاموا مع بداية الحرب الإسرائيلية على غزة خيمة اعتصام في ساحة مسجد الكالوتي بمنطقة الرابية، مطالبن بإغلاق السفارة الإسرائيلية في عمان.
كما نصب المحتجون أنفسهم مقبرة رمزية في ذات المنطقة التي نشروا فيها شواهد قبور تحمل اسم “غزاوي” وأرقام متسلسة لكل منها إشارة إلى شهداء العدوان على غزة.
بيد أن الأجهزة الأمنية أزالت الخيمة والمقبرة بعد مرور اسبوعين تقريبا على إقامتها، ومنعت باستخدام الغاز المسيل للدموع والهراوات في نفس الوقت مظاهرات انطلقت من مسجد الكالوتي كانت تحاول الوصول إلى السفارة الإسرائيلية بعمان.
وكانت المملكة شهدت تنظيم أكثر من 400 مسيرة وفعالية ومهرجان شارك فيها ما يزيد على 280 ألف شخص تنديدا بالمجازر الإسرائيلية التي ترتكب بحق أبناء قطاع غزة، بحسب احصائيات رسمية.
في هذا السياق يستعرض الصديق والناشط الدكتور ابراهيم علوش مفهوم العمل الجماعي متسائلا هل تحول التظاهر بالقرب من السفارة الاسرائيلية الى طابع تنفيسي ومقصد نفسي . وهل كتب علينا أن لا نتحرك إلا تحت وطأة حدثٍ رهيبٍ أو مجزرة مثل مجزرة أسطول الحرية؟
ويضيف علوش .. كلنا مع إعلان بطلان معاهدة وادي عربة، وقطع العلاقات مع العدو الصهيوني، وإغلاق وكر الجواسيس (السفارة الصهيونية) في الرابية، أليس كذلك؟ لكن معظمنا ما برح لا يدرك أن الأهداف العامة تتطلب أدوات عامة، أي أن المشكلة التي تصيب الجميع، لا يكون حلها فردياً، بل تتطلب عملاً جماعياً. لكن هذه الحلقة البسيطة بالذات هي الحلقة المفقودة من وعي من يتساءلون دوماً بكل سذاجة، وصدق، ماذا يستطيعون أن يفعلوا كلٌ بمفرده، ليخدروا ضمائرهم أساساً.
ويرى علوش ان عقيدة العمل الجماعي المفقودة هي احد اسباب عدم وصول اي متظاهر حتى اللحظة الى اقرب نقطة من السفارة الاسرائيلية وييشير الى ان العمل الجماعي قد يتخذ عدداً لا نهائياً من الأشكال، من البسيط إلى المعقد، ومن النشاط المرتبط بحدث أو موقف ما، إلى النشاط طويل المدى. ومن أهم أشكال العمل الجماعي الممكنة في ظروف الوطن العربي: الاعتصامات والمظاهرات والإضرابات، وهي أدوات عمل سياسي شديدة الفعالية، على عكس ما يشيع البعض، وقد أسقطت سلمياً الاتحاد السوفييتي السابق، بدون إطلاق رصاصة واحدة، وأسقطت أنظمة بعض دول أوروبا الشرقية في بداية التسعينات، وأسقطت ماركوس في الفليبيين في الثمانينات، وشاه إيران في السبعينات، وأسقطت نظام باكييف في قيرغيزستان قبل شهرين تقريباً، وكادت تعصف بالحكم العسكري في تايلند على يد ذوي القمصان الحمر قبل أسبوعين.
ومن ينكر دور الحراك الشعبي في تغيير الأنظمة والسياسات، نذكره بالحراك الشعبي في الأردن في الخمسينات الذي فرض منع انضمامه إلى “حلف بغداد” العميل للغرب وحلف الناتو، وأتى بسليمان النابلسي رئيساً للحكومة الوطنية الوحيدة في تاريخ الأردن المعاصر.
إذن يقتضي إحداث التغيير براي علوش تحرك عدد من المواطنين الطليعيين بشكل جماعي لإيصال رسالة، حول رفض وجود سفارة للعدو الصهيوني في الرابية ومثل هذا التحرك ممكن، ومحق، ودستوري، ويستند لقوانين ومعاهدات دولية بهذا الصدد سبق أن وقع الأردن عليها.
علوش ببساطة يريد من الاردنيين الا يعولو على معجزة الهية تبتلع السفارة الاسرائيلية وانما قاعدة من العمل الجماعي المنظم كما بدا بفعله عدد منذ يوم 31/5/2010، حيث اعتصموا بشكل سلمي وحضاري على رصيف مسجد الكالوتي في الرابية قرب سفارة العدو الصهيوني كل مساء بين الثامنة والتاسعة لمدة سبعة أيام متتالية. وفي اليوم السابع، قرروا أن الاعتصام للمطالبة برفض وجود السفارة يجب أن يستمر، ولا يجوز أن يبقى دوماً ردة فعل على أخر مجزرة أو جريمة يرتكبها العدو الصهيوني، وكفى الله المؤمنين شر القتال! بل عقدوا العزم على جعل الاحتجاج على وجود السفارة الصهيونية على الأرض العربية الأردنية تقليداً سياسياً لا يرتبط بالحدث الراهن، لأنه موقفٌ مبدئي.