الجاذبيـة التركيـة

تميز الدور التركي وخلافاً للأدوار الإقليمية الأخرى، بميزة الكاريزمية الجذابة التي أداها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وبدءاً من العدوان على غزة ومروراً بمنتدى دافوس الذي انسحب منه أردوغان، عندما لم يتح له رئيس الجلسة بالرد الكافي على أكاذيب شيمون بيريز بشأن العدوان على غزة.

و في العام المنصرم، عدّلت أنقرة موقفها التحالفي مع الدولة الصهيونية، عندما رفضت مشاركة الطيران الإسرائيلي الحربي في مناورات (نسر الأناضول) التي تجريها تركيا في كل عام وبمشاركة أميركية وإيطالية وبعض دول حلف الناتو، كما لا ننسى الموقف التركي من العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث كان أكثر شدة وصلابة في التنديد بهذا العدوان، وقد عد المراقبون وقتها هذا التراجع الحاد في العلاقات التركية ـ الإسرائيلية، على أنه تعديل أو تصحيح في علاقات تركيا مع إسرائيل، يُراد منه تهيئة الأجواء في المنطقة، كي يأخذ الدور التركي الإقليمي مداه المؤثر في القضية الفلسطينية ومحور الصراع العربي ـ الإسرائيلي على العموم، بما في ذلك القيام بمهمة الوساطة لمفاوضات السلام غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب، بينما نظر إليه البعض على أنه دور مواز ومنافس للدور الإيراني الإقليمي، بعدما أحدث احتلال أميركا للعراق، فراغاً واسعاً في المنطقة، وعجز النظام العربي عن ملء هذا الفراغ، ناهيك عن الحسابات الأخرى التي تروم أنقرة تحقيقها من وراء تعديل موقفها من الدولة الصهيونية، وخصوصاً في ظل الرفض المتكرر من الأوروبيين لانضمامها الى الاتحاد الأوروبي.

لاشك بأن مرحلة التفعيل للدور التركي الإقليمي في هذا الوقت أحرج الدولة الصهيونية وحلفاءها الغربيين، وكذلك أميركا التي سارع رئيسها أوباما الى الاتصال برئيس الوزراء التركي أردوغان، بصدد تبريد الغضب التركي والطلب من الزعيم التركي التريث في إرسال أسطول الحرية الثاني. لكن الإحـراج الأكبر هو الذي أصاب النظام العربي الذي تخلف موقفه، فرادى وجماعياً، عن الموقف التركي بمسافة بعيدة، وهو أمر لم يعد مستغرباً في الشارع العربي الذي تعوّد على تراكم المواجع من أداء السياسات السائدة، ولهذا، لم يستغرب المراقبون والمشاهدون والمتفرجون من طغيان العلم الأحمر التركي على المسيرات والتظاهرات التي عمت قسماً من الشارع العربي وعلى قلتها، قياساً بالتظاهرات والمسيرات التي جرت في الشارع التركي والأوروبي والعالمي، ويبدو أن الشارع العربي هو الآخر أُصيب بعدوى النظام الرسمي، أو ربما هذا يأتي من إحباطه أو من تراكم المواجع لديه، وهو في كلا الأمرين من يدفع ثمن ذلك.

لم يكتف الدور التركي الإقليمي في تحركه على محور الصراع العربي ـ الإسرائيلي وحسب، بل نشر أجنحته على الملف النووي الإيراني من خلال توقيع اتفاق وبمعية البرازيل مع إيران لتبادل اليورانيوم، بهدف احتواء الموقف المتوتر بين أميركا والأوروبيين من جهة، وإيران من جهة أخرى، بيد أن هذا الاتفاق مثلما يبدو لم يوقف عجلة الموقف الأميركي الماضية قدماً نحو فرض عقوبات مشددة على طهران، لا سيما أن واشنطن قد أخذت الضوء الأخضر في هذا الشأن من موسكو وبكين، لكن ما نريد قوله، هو أن أنقرة حاولت عبر دورها الإقليمي في هذا الجانب، الانطلاق الى دور عالمي وأكبر من المدى الإقليمي.

لقد بات واضحاً أن الدور التركي في هذا العام انتقل الى مرحلة التفعيل والتأثير المباشرين، بحيث أصبحت تركيا عبر مهمة كسر الحصار عن غزة، في موقف شبه التقابل المباشر مع الدولة الصهيونية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وهذا ما يُفسر تهديدها الأخير المتعلق بالرحلة الثانية لأسطول الحرية، عندما أكد مصدر تركي رفيع المستوى لمحطة التلفازCNN التركية، أن أسطول الحرية القادم سواء انطلق من تركيا أو شاركت فيه سفن تركية سيحظى بمرافقة سفن حربية تركية لمنع أي هجمات قرصنة عليه، وأضاف هذا المصدر أن تركيا لن تسمح أبداً للجيش الإسرائيلي بالهجوم على سفنها بهذه الوقاحة، معتبراً السفينة التي تحمل العلم التركي أرضاً تركية وفقاً للعرف والقانون.

وشبه التقابل المباشر هذا، تمثل في الجانب السياسي الذي أعلنت تركيا من خلاله، موقفاً معارضاً وقوياً في المحافل الدولية بالنسبة لحصار غزة، وفي الجانب الاقتصادي ذكرت أوساط تركية مطلعة أن أنقرة أوقفت العمل ببعض المشاريع الاقتصادية المشتركة بينها وبين الدولة الصهيونية، فيما شهد الجانب العسكري أخيراً تحدياً تركياً مباشراً في حال انطلقت رحلة أسطول الحرية الثانية التي ستكون بحماية قطع من الأسطول التركي حسبما ذكر المصدر التركي الآنف.

أخبار قد تعجبك