ان الاردن من اوائل دول العالم من حيث التعليم حيث لا تصل نسبة الامية فيه الى 10 % بل هي في تراجع مستمر نتيجة لوجود برنامج جاد للتخلص منها نهائيا .
وهذه النسبة الرائعة في التعليم تقتضي حراكا ثقافيا ومنه الحراك السياسي ,وتربة الاردن خصبة لظروف متعددة في هذا المجال حيث ان تشكل الدولة عام 1921 م كان بناء على مشروع عربي وحدوي كان من مظاهره تسمية الجيش ( بالجيش العربي ) وكذلك رئاسة اول حكومة من قبل ( رشيد طليع ) اللبناني الاصل .
ولم يعش الاردن يوما بعيداعن القضية الفلسطينية قيادة وشعبا وهاهي الخطابات الملكية تعج بالحديث عن القضية , وهاهو الجيش يخوض معارك الشرف والاستبسال عام 1948 م وعام 1967م و1968 م , 1973 م وقدم قوافل الشهداء من مختلف عشائره ومناطقه.
هذه المعاني جعلت الشعب الاردني شعبا مسيسا يخوض الانتخابات ويتقن المطالبات ويناضل ضد حلف بغداد ويؤيد طرد كلوب , ولم تغب المعارضة السياسية فيه يوما من الايام بل وصلت في الخمسينات الى تشكيل الحكومة مع ان هذا الوقت المبكر كانت الكثير من الدول العربية لا تزال تحت الاستعمار الاجنبي.
وتم في الاردن صياغة دستور يفوح بالحرية والديمقراطية وكانت فيه الاحزاب في اتجاهاتها الثلاث : اليمين والوسط واليسار ورافق هذا صحافة حرة ناقدة واستمر هذا الحال مع وجود الفعل ورد الفعل بين الراغبين في الديمقراطية واعدائها الى ان حصلت هزيمة 1967 م وجاء مؤتمر الرباط حيث صارت منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني فسادت فترة خمود ديمقراطي الى ان جاء عام 1989 م فانتعش الحال وعادت الديمقراطية بثوب جديد واحزاب على السطح وصحافة تملأ الارصفة وقنوات واذاعات لكننا مع ذلك تعرضنا لانتكاسة نتيجة لتغول اعداء الديمقراطية وصار الهدف تحجيم السياسة لصالح الامن ,وصار السوق للباشاوات ذوي رؤوس الاموال على حساب السياسيين ودخل الناس نتيجة قانون الصوت الواحد في نفق غير مريح وهو قانون فصد منه تحجيم الاتجاه الاسلامي خاصة حيث خشيت الحكومة من تحالفات الاسلاميين مع غيرهم مما يعني السيطرة على البرلمان وغياب اصوات غير الحزبيين .
وزاد في هذا العمق استمرار ارتباط بعض الحزبيين بدول او جهات خارجية ورغبة من الدولة في فك هذا الارتباط سنت قانونا يتم من خلاله تمويل الاحزاب وصار للاسلاميين صحيفة يومية ومراكز ودراسات واذاعة وتعددت القنوات الاسلامية كل هذا للتاكيد على ان هذا الاتجاه لا غنى عنه , ولكن الظروف الدولية لا تسمح ان يكون مسيطرا وبخاصة ان الاردن يقع بين زلازل المنطقة في فلسطين والعراق وغيرها.
ان رغبة الجميع بالديمقراطية تقتضي اعادة النظر بقانون الانتخابات بحيث تكون حرة ونزيهة لتطوي صفحة مجلس ديمقراطية ولا حرية ولا وطنية .
ولعل الحكومة الحالية تتحمل مسؤولية تاريخية في أن تجري انتخابات تخرجنا مما نحن فيه حيث نرى المجتمع قد عاد الى ايام داحس والغبراء وصارت الاحزاب دكاكين لا ديمقراطية داخلها فكيف سيثق الناس بديمقراطيتها في المجتمع .
يجب ان نساعد جلالة الملك ليكون الاردن صورة جميلة في كل مجال ومنه المجال السياسي الديمقراطي ومع ثنائنا العطر على الأجهزة الأمنية الا ان المطلوب هو حماية السياسة للأمن كما هو مطلوب حماية الأمن للسياسة .