:عين نيوز- محمد غنيم
سيطرت أجواء الغضب على المشاركين في ندوة نظمها مركز القدس للدراسات الاستراتيجية مساء الأربعاء الماضي بحضور مدير برامج استقطاب الرأي في مؤسسة بيت الحرية بولا شرايفر، إذ شعر الحاضرون بالغضب تجاه المؤسسة الأمريكية التي اعتبرت في تقريرها للعام 2010 أن إسرائيل بلداً حراً في حرية الصحافة بينما تراجع مؤشر الحرية لديها بخصوص الأردن إلى بلد غير حر بعدما كان في التقرير السابق بلداً حراً جزئياً.
الندوة التي جاءت بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة حضرها عدد من الإعلاميين واساتذة الصحافة وحقوقيين استمرت بعد الشرح الذي قدمته شرايفر عن منهجية تقرير منظمتها حول السبب في حصول “إسرائيل” على هذه المرتبة وهي التي ارتكبت جرائم عديدة بحق الإعلاميين الفلسطينيين والأجانب سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية أو حتى في أراضي الثماني وأربعين.
وزير الخارجية الأسبق الدكتور كامل أبوجابر وهو أيضاً الرئيس السابق للمجلس الأعلى للإعلاميين إنتقد بشدة النتيجة التي خرجت بها المنظمة إلى جانب كافة الحضور، وبعد انتقادات شديدة اللهجة على هذه النتيجة ظهرت علامات الغضب على وجه المدير العام لمركز القدس عريب الرنتاوي الذي قال “كان لا بد لمنظمتكم أن تفرق في منهجيتها بين الدول المستعمرة وبين الحكومات التي تمارس الاحتلال والاغتصاب للأراضي وتضع الحواجز والعوائق أمام الصحفيين لممارسة عملهم”.
الدكتور أبوجابر استفزه ما شرحته شرايفر بشكل مباشر بحيث قال “كيف تريدين أن يؤمن من استمعوا لشرحك عن تقريركم وإسرائيل تمارس القتل والعدوان حتى أنني أبكي كالنساء عندما أشاهد ما يقومون به من عمليات إجرامية بشعة”.
وبعد ساعة من الجدال ضد مخرجات التقرير الدولي خاصة ما يتعلق بالنتيجة المتعلقة بـ”إسرائيل” وتركيز المشاركين في الندوة حول هذه النتيجة أجابت شرايفر بردة فعل ملحوظة ومتضايقة على أن التقرير جاء بجهود كبيرة قدمها خبراء وأن منظمتها مقتنعة بما ورد فيه وأنه صدر لحض الحكومات والضغط عليها كورقة من أجل التقدم في الحريات الإعلامية، غير أن ذلك لم يدفع الصحفي ماجد توبة عضو نقابة الصحفيين من جريدة الغد إلا للمزيد من الاحتجاج على النتيجة المذكورة.
نحو ساعتان من الندوة التي حضرها أيضا موظفون من السفارة الأمريكية في عمان أخذت المنحى ذاته في علاقة المنظمة بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل الأمر الذي أجبر شرايفر بالقول “نحن نمارس أيضاً ضغوطات على حكومة أميركا من أجل التقدم في مجال حرية الصحافة وهناك من الدول القابعة في الأمريكيتين يلاحظ أنها متأخرة كما وصفها التقرير ولكن هذه الجهود الذي أظهرها فريق التقرير تؤمن بها المنظمة وترى أنها حقيقية”.
وأضافت شرايفر “نعلم أن هناك من يعتقد بأن حلفاء أميركا في المنطقة مثل الأردن ومصر والسعودية سيغضبون من هذه النتيجة، لأن هناك من يغضب من هذا التحالف، لكننا في بيت الحرية نمارس ما نعتقد بأنه الصواب، وأن هذا التقرير على الأقل هو ورقة للحوار في شؤون حقوق الإنسان وتطوير القوانين بما يشكل ضغطاً على الحكومات يمكن الاستفادة منه وهدفنا بالنهاية كسب التأييد في قضايا تهمكم”.
نبرة الاستفزاز التي بانت على وجه المتحدثة شرايفر وقد اعترفت بذلك في نهاية المطاف جعل المضيف الرنتاوي يقول “التقرير بكل جوانبه جيد ولكن لا بد من التفرقة بين من يؤثر على حريات الآخرين ومن يمارس العنف والعدوان ولا بد من تصنيف ومنهجية جديدة للتقرير تفصل بين الدول التي تمارس الاستعمار وغيرها من الدول” مشيراً إلى أنه “إذا كانت ردة الفعل تلك بأنكم قررتم أن إسرائيل تتمتع بحرية الصحافة فنحن مجتمعون هنا من أجل أن تأخذوا الملاحظات لتغيير منهجية التقرير إن كانت المشكلة في منهجية التقرير ذاتها”.
وبعد أن أبدى الناشط الحقوقي الدكتور فوزي السمهوري رأيه بقوله “نعم هناك من القوانين والإجراءات التي لم يذكرها التقرير تحد وتقمع حرية الصحافة في الأردن، إلا أن هناك منطقيات حقوقية أخرى تنفي ما توردونه بأن إسرائيل هي فعلاً تمنح الحرية للصحافة بينما تقوم بأسوأ الأفعال ضد حرية الصحافة”.
غالبية المشاركين بل جميعهم أكدوا على أن حرية الصحافة أصبحت عالمية مثل باقي نظريات حقوق الإنسان وأن ما تفرضه إسرائيل على الأرض يؤثر في الحريات الإعلامية على جوارها، والأمر مشابه للولايات المتحدة الأمريكية التي تمارس إلى جانب حلفائها ما يسمى بـ “علومة الرقابة” حسبما عبرت عنه شرايفر ذاتها.
وتقرير بيت الحرية درس حرية الصحافة في بلدان العالم من ثلاث جوانب هي السياسية والاجتماعية والاقتصادية في دراسة مسحية تخصص بها منذ السبعينيات من القرن الماضي وهو يشرع بتطوير آلياته بشكل مستمر، وتعترف شرايفر بأن نتائج التقرير هو ما أمكن لخبرائه بحيث أنه يؤشر لحالة الحريات الإعلامية خاصة ما يتعلق بجوانب القوانين والحروب والنزاعات المؤثرة على حرية الصحافة.
أشارت شرايفر إلى ما يسمى عولمة الرقابة الذي يتيح التعامل بين الدول خاصة المتحالفة فيما بينها ما دعا للاستفسار عن نوعية هذا التعاون وتأثيره على حرية الرأي خاصة ما يتعلق ومكافحة الإرهاب.
خلاصة القول أن كل من حضر الندوة خرج بانطباع مؤكد على أن تقرير بيت الحريات يحتاج إلى تطوير واستراتيجية أعمق مما ينظرر لها طوال الثلاثة عقود الماضية حتى يؤمن بمخرجاته الجميع، إلا أن الرنتاوي الإعلامي المضيف لهذه الندوة قال “التقارير تلك الصادرة عن منظمات دولية كبيت الحرية قد يكون لها تأثير وضغط مباشر على الحكومة أكثر بكثير مما تنتجه المؤسسات الأهلية في بلدنا”.
جدير بالذكر أن التقرير اعتمد في تصنيفه هذا على عدة قضايا تتعلق بالحريات والديمقراطية والاصلاح السياسي، ومن أهم النقاط التي ذكرها كدليل على تراجع الحرية والديمقراطية عموما في الأردن هي النقطة المتعلقة بحل مجلس النواب الأردني الخامس عشر، وتأجيل إجراء الانتخابات النيابية، وهو الدليل المحسوب للأردن لا ضدّه في الواقع ، والذي يؤكد حرص الأردن على وجود مجلس نيابي قادر على القيام بعمله بشكل ديمقراطي مؤسسي سليم.
وقد مسح التقرير في العام الحالي 194 دولة حول العالم وكانت نتائج المسح أن الأقل حرية 47 دولة، وحرة جزئيا 58 دولة وحرة 89 دولة.
والتراجع الذي سجلته المملكة في التقرير، جاء متزامناً مع خلاصة تقرير عن حالة الحريات الإعلامية في المملكة الذي أطلقه مركز حماية وحرية الصحفيين السبت 2 أيار/مايو الجاري وأشار إلى أن حرية التعبير في المملكة “مكانك سر”.
ووفق التقرير، فإنّ البلدان التي ظهرت فيها أكثر نسبة من العدائية تجاه المعارضة السياسية والمجتمع المدني هي: إيران، روسيا، زيمبابوي، وفنزويلا.