حماده فراعنه
على الرغم من الترحيب المعلن من قبل كافة القيادات والفصائل والشخصيات الفلسطينية بالتوصل السريع غير المتوقع للإتفاق بين فتح وحماس في القاهرة ، فالقطاع الأوسع من هذه القيادات بما فيهم أعضاء من اللجنة المركزية لحركة فتح وأغلبية أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ، وكافة الأمناء العاملين للفصائل سواء أولئك الذين يقيمون في فلسطين أو أولئك الذين يقيمون في دمشق ، لم يعرفوا بالإتفاق إلا بعد التوقيع عليه ، ولم يكن يتوقعوه إلا بعد أن أعلن عنه ، ومع ذلك كانت ردة الفعل الأولية من جانب كل هؤلاء الترحيب ، بما تم التوصل إليه في القاهرة .
وقد زاد من عملية الترحيب للإتفاق والإطمئنان له وإستقباله بشكل إيجابي ، ردة الفعل الإسرائيلية العدوانية ، الرافضة للإتفاق والمهددة لصاحبيه ولطرفيه ، خاصة نحو منظمة التحرير وسلطتها الوطنية وحكومتها في رام الله ، بإتخاذ إجراءات إدارية ومالية قاسية ذات طابع أمني بهدف إضعاف السلطة الوطنية ومعاقبتها على ما فعلته من أثام في التوصل إلى إتفاق أولي ، سيفتح على خطوات للتراجع عن الإنقلاب وإنهاء الإنقسام وإستعادة وحدة المؤسسة والبرنامج والأداة الكفاحية للشعب الفلسطيني ، بشكل لائق ، يعكس التفاهمات ، نحو خيار واحد لا غيره المتمثل بالعمل المشترك في وجه عدو واحد ، يرفض الإنصياع لحقوق الشعب العربي الفلسطيني ، ويعمل على تهويد القدس والغور وتوسيع الإستيطان ، ويسعى لسجن فلسطينيي الضفة بين جدارين ، الجدار الغربي القائم والجدار الشرقي المزمع بناءه بعمق خمسة عشر كيلو متراً على إمتداد نهر الأردن ، ليحول دون التواصل الجغرافي بين الأردن وفلسطين ، وبهدف أن لا يكون هناك حدوداً أردنية فلسطينية متصلة ، بل مجرد معابر أردنية فلسطينية فقط مسيطر عليها.
كما جاء الإستقبال الأميركي البارد والمتحفظ للإتفاق ، والإستقبال الأوروبي المشروط لدفع الفلسطينيين لقبول الإتفاق والترحيب فيه رغم الشكوك والهواجس وعدم الثقة بالتطبيق ، ومع هذا تم إنجاز إتفاق بين الطرفين لم يكونا مستعدين للتوصل إليه وقبول مضامينه ودفع إستحقاقاته ، من قبل .
الإتفاق بين فتح وحماس لم يكن بالإمكان التوصل إليه لولا عوامل داخلية ، وعوامل عربية ، تتمثل بحركة الشارع ونتائج الثورة الشعبية العربية وإنعكاساتها على القرار الفلسطيني أسهمت في تسريع التوصل إلى هذا الأتفاق .
فالإحتجاجات الشعبية والشبابية في ميدان المنارة في رام الله وأمام ساحة الجندي المجهول وأمام ساحة الكتيبة في غزة ، ورفع شعار ” الشعب يريد إنهاء الإنقسام ” لعبت الدور النشط الأول الذي جعل من مبادرة أبو مازن لإنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة قابلة للتحقيق .
كما كان للثورة الشعبية السورية ضد نظام حزب البعث الواحد ، غير الديمقراطي ، دوراً قوياً في الضغط على حركة حماس لقبول الإتفاق والإنحناء أمام المبادرة المصرية .
فالثورة الشعبية السورية ، دفعت حركة الإخوان المسلمين ، السورية ، لتتخذ موقفاً سياسياً مناهضاً للنظام ومشاركة بفعاليات الثورة الشعبية المتفجرة الآن ، بعد تجميد نشاطاتها خلال السنوات القليلة الماضية ، على أثر وساطة حماس ويوسف القرضاوي ، بعد الإجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة .
فقد أثمرت وساطة حماس ويوسف القرضاوي أنذاك ، خلال معركة الرصاص المصبوب ” في نهاية عام 2008 بداية عام 2009 ” ، أثمرت عن تحقيق هدف أساسي يتمثل بإنسحاب حركة الإخوان المسلمين من جبهة الخلاص الوطني التي شكلها عبد الحليم خدام مع الإخوان المسلمين والأكراد السوريين ، وقد جمد ” الإخوان المسلمين ” السوريين نشاطاتهم ضد نظام الرئيس بشار الأسد ، وجرت محاولات لعودة قياداتهم إلى دمشق ، بعد سنوات طويلة من التشرد في الغربة .
وساطة حماس ويوسف القرضاوي بين نظام حزب البعث وبين حركة الإخوان المسلمين لم تعد مفيدة اليوم بعد إنفجار الثورة الشعبية ، وبعد أن قرّر الإخوان المسلمين المشاركة بفعاليات الثورة ، مما سيخلق المزيد من المتاعب لهم ، وسيضعهم في طليعة القوى المستهدفة ، وستعكس هذه الحصيلة وتطور الأحداث في سوريا على الموقف من حركة حماس ، التي إرتأت ضرورة البحث المبكر عن موقع أخر غير دمشق ، لا يحرجوه ولا يحرجهم ، ولهذا تتطلع حماس نحو القاهرة ، ومن القاهرة نحو غزة ، ليكون محور القاهرة – غزة له الأولوية لدى حركة حماس لعدة أسباب أولاً لأن مصر هي رئة غزة التي تتنفس من خلالها ، ثانياً لأن القرار المصري يهدف إلى إنهاء حالة الحصار المفروض على قطاع غزة ، ثالثاً لأن حركة الإخوان المسلمين المصرية سيكون لها إعتبار وشأن في المشهد السياسي المصري ، بعد إجراء التعديلات الدستورية وإجراء الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية المصرية المقبلة .
ولذلك إتخذت حركة حماس قرارها بعد أن أبلغتهم القاهرة بقرارها أن لا فك للحصار عن غزة بدون إنهاء الإنقسام ، وعليها أن تدفع ثمن قرارها وإستحقاقاته ، وإستحقاقات القرار إتخاذ سلسلة خطوات على طريق التراجع عن الإنقلاب وإنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة الفلسطينية ، وتوقيع الإتفاق في القاهرة هو الخطوة الأول في القرار على هذا الطريق .
قرار حماس لا يعني أن كل شيء سيكون سمناً على عسل ، بل يجب النظر إلى القرار وفي الخطوات ، انه يتم ، وسيتم على أرضية الصراع الداخلي الفتحاوي الحمساوي، ولكن بشكل سلمي وديمقراطي ومدني ، ما أمكن ذلك ، من أجل التوافق مع قيم الثورة الشعبية العربية ، والثورة الشعبية العربية قامت ضد مبدأ واحد هو ضد التفرد واللون الواحد والحزب الواحد ، ومن أجل مبدأ واحد ، مهما تعددت أشكاله أو تنوعت مفرداته ، هو مبدأ التعددية والديمقراطية والإحتكام إلى صناديق الإقتراع .